الجندي المخلص لإمام الزمان (عليه السلام)
أنا طالب علم طالما أحببت أن أكون جندياً مخلصاً لإمام الزمان(عليه السلام)فبماذا تنصحوني؟
باسمه تعالى: اهتم بالتكاليف الالهية وأكثر من ذكر يوم القيامة والحساب! اسع لأن تقوم بأعمال ترضي امام الزمان(عليه السلام) إذا ما أقبلت على دروسك بجدية كاملة وعملت بالتكاليف الإلهية مع تهذيب النفس فإنك ستسر بذلك قلب امام الزمان(عليه السلام)، واجتهد في تحصيل العلم بعد التوكل على الله والتوسل بأهل البيت(عليهم السلام) لتوفق في دراستك([1])، ولا تستعجل في دراستك، ولا تشرع في كتاب جديد مالم تنه الكتاب الذي قبله دراسة وفهماً.
وحاول أن تقوم بتدريس كل كتاب انتهيت من دراسته، واحرص على الاستفادة من فترة شبابك فإن الشباب سريع العبور فتضيع الفرصة من يدك، اغتنم الفرصة واطلب التوفيق من الله تعالى، واحذر من مرافقة الذين يضيعون عمرهم، واحذر من السهرات الليلية وتضييع الوقت من غير فائدة، واسع أن تجالس المؤمنين والمتدينين المجدين في دروسهم([2])، اغتنم فرصة الشباب ولا تضيع هذه النعمة الالهية من يدك، والله الموفق.
([1]) ينبغي للمعلّم ترغيب المتعلّم للتدريس إذا رآه أهلاً لذلك.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك عند عدّ آداب المعلّم: «إذا تكمّل الطالب وتأهل للاستقلال بالتعليم واستغنى عن التعلّم فينبغي أن يقوم المعلّم بنظام أمره في ذلك ويمدحه في المحافل ويأمر الناس بالاشتغال عليه والأخذ عنه فإنّ الجاهل بحاله قد لا يأنس ولا يطمئنّ به وإن تصدّى للتعليم بدون إرشاد من هو معلوم الحال ولينبه على حاله مفصّلاً ومقدار معلوماته وتقواه وعدالته ونحو ذلك ممّا له مدخل في إقبال الناس على التعلّم منه فإنّ ذلك سبب عظيم لانتظام العلم وصلاح الحال. كما أنّه لو رأى منه ميلاً إلى الاستبداد والتدريس ويعلم قصوره عن المرتبة واحتياجه إلى التعلّم ينبغي أن يقبّح ذلك عنده ويشدّد النكير عليه في الخلاء فإن لم ينجع فليظهر ذلك على وجه صحيح المقصد حتى يرجع إلى الاشتغال ويتأهّل للكمال. ومرجع الأمر كلّه إلى أنّ المعلم بالنسبة إلى المتعلّم بمنزلة الطبيب فلا بدّ له في كل وقت من تأمّل العلّة المحوجة إلى الإصلاح ومداواته على الوجه الذي تقتضيه العلة». ]منية المريد، ص 95[
([2]) ينبغي لطالب العلم كثرة مجالسة العلماء والفضلاء للاستفادة منهم.
قال الشهيد (رحمه الله)في ذلك عند عدّ آداب المتعلّم مع شيخه: «وممّا يؤنس به أن يكون له مع مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع وزيادة ممارسة وثناء منهم على سمته وخلقه وبحثه. وليحترز ممّن أخذ علمه من بطون الكتب من غير قراءة على الشيوخ خوفاً من وقوعه في التصحيف والغلط والتحريف. قال بعض السلف: من تفقّه من بطون الكتب ضيّع الأحكام وقال آخر: إيّاكم والصحفيّين الذين يأخذون علمهم من الصحف، فإنّ ما يفسدون أكثر ممّا يصلحون. وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الأخذ من الخاملين فإنّ ذلك من الكبر على العلم وهو عين الحماقة لأنّ الحكمة ضالّة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها ويتقلّد المنة ممّن ساقها إليه وربّما يكون الخامل ممّن تُرجى بركته فيكون النفع به أعمّ والتحصيل من جهته أتمّ». ]منية المريد، ص 113]
الاستفادة من الأوقات
كيف أستفيد من وقتي؟
باسمه تعالى: إذا أراد طالب العلم أن يكون موفّقاً دائماً وأبداً يجب عليه أن يستفيد من وقته بالكامل وعندما تستمع إلى مطالب علمية مفيدة اكتبها ثمّ دوّنها وبعد ذلك راجعه بدقة كافية حتى تفهمها فهماً مشبعاً([1]) ولا تنتقل إلى الدرس الذي يليه إلاّ بعد تهضم الدرس الأوّل. ويجب أن تقرأ درسك أو أيّ كتاب مفيد قراءة تستطيع بعدها أن تدرّس ما درسته وقرأته.
ويجب أن تأخذ العلم وتحصل عليه من أهله، وكلّما يمرّ يوم تحفظ فيه علماً يُضاف الى محفوظاتك بالتدريج.
العمر قصير ولكن العلوم كثيرة ومتنوعة،([2]) فلذا على طالب العلم أن لا يقضي عمره بالفساد والتلف والهلاك، ولكن عليه أن يستفيد من وقته بنحو أحسن وذلك بانتخاب استاذ متديّن وفاضل([3])، وبالاستفادة من أوقاته بجديّة في تحصيل العلوم، وبالمراعاة للتقوى وإتيان التكاليف الشرعية فعندها يكسب التوفيق إن شاء الله تعالى والموفقية لا تحصل إلاّ بتحمّل المشقّة ]والأجر على قدر المشقّة]
([1]) لابدّ لطالب العلم من المبادرة إلى كتابة دروسه مع مطالعتها وحفظها.
قال الشهيد (رحمه الله)في ذلك عند ذكر آداب المتعلّم في درسه: «إذا بحث محفوظاته أو غيرها من المختصرات وضبط ما فيها من الإشكالات والفوائد المهمّات أن ينتقل إلى بحث المبسوطات وما هو أكبر ممّا بحثه أوّلاً مع المطالعة المتقنة والعناية الدائمة المحكمة وتعليق ما مرّ به في المطالعة أو سمعه من الشيخ من الفوائد النفيسة والمسائل الدقيقة والفروع الغريبة وحلّ المشكلات والفرق بين أحكام المتشابهات من جميع أنواع العلوم التي يذاكره فيها ولا يحتقر فائدةً يراها أو يسمعها في أيّ فنّ كانت بل يبادر إلى كتابتها وحفظها وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (قيّدوا العلم قيل وما تقييده؟ قال: كتابته) و روي أن رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشكا ذلك إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال لهرسول الله: (استعن بيمينك وأومأ بيده) أي خُطّ، ومن هنا قيل: من لم يكتب علمه لم يعدّ علمه علماً». ]منية المريد، ص 133[
([2]) لابدّ لطالب العلم مراعاة الأهم فالأهم في تحصيل العلوم.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «اعلم أنّ العمر لا يتّسع لجميع العلوم فالحزم أن يأخذ من كلّ علم أحسنهويصرف جمام قوّته في العلم الذي هو أشرف العلوم وهو العلم النافع في الآخرة ممّا يوجب كمال النفس وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومرجعه إلى معرفة الكتاب والسنّة وعلم مكارم الأخلاق وما ناسبه». ]منية المريد، ص 108[
([3]) إنّ للمعلّم على طالب العلم حقاً عظيماً لابدّ له من مراعاته.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك عند عدّ آداب المتعلّم مع شيخه: «أن يعتقد أنّه الأب الحقيقي والوالد الروحاني هو أعظم من الوالد الجسماني فيبالغ في رعاية حقّ أبوته و وفاء حقّ تربيته» إلى أن قال: «وأيضاً لم يقصد الوالد في الأغلب في مقاربة والدته وجوده ولا كمال وجوده وإنّما قصد لذّة نفسه فوجد هو و على تقدير قصده لذلك فالقصد المقترن بالفعل أولى من القصد الخالي عنه وأمّا المعلم فقصد تكميل وجوده وسبّبه وبذل فيه جهده ولا شرف لأصل الوجود إلاّ بالإضافة إلى العدم فإنّه حاصل للديدان والخنافس وإنّما الشرف في كماله وسببه المعلّم». ]منية المريد، ص 114[
التشرف بلقاء امام الزمان(عج)
ماذا علي أن أفعل حتى أرى مولاي صاحب الزمان(عج) في المنام وأتشرف بمحضره؟
باسمه تعالى: عزيزي السائل! ان هذا التوفيق لا يكون لكل الناس وقد تحقق هذا الأمر لبعض علماء الدين الكبار قديماً وحديثاً الذين بيدهم زمام زعامة الاُمة وقد نقلت الكتب نماذج عن حالات عظماء الدين، أما ما عدا ذلك فهو محض ادعاء لاسيما ما يطرح اليوم في مجتمعاتنا فانها ادعاءات باطلة، وعليكم أن تسعوا لأن تكسبوا رضا صاحب العصر والزمان(عج) بدل التشرف بمحضره واللقاء به فرضاه رضا الله، ادخلوا السرور على قلب امام الزمان(عج) بعملكم بالتكاليف الشرعية والابتعاد عن المعصية وفعل الصالحات، اعملوا في سبيل الله ولا تقصروا في تقديم ما تستطيعون لتقوية التشيع، وراقبوا أعمالكم على الدوام([1])، وسأدعو لكم بالتوفيق.
المزاح بالنسبة إلى طالب العلم
بعض أصدقائي الطلاب يمتنعون عن المزاح بالكامل والبعض الآخر يفرط بالمزاح ولا أعلم تكليفي فإلى أي حد يمكنني المزاح؟
باسمه تعالى: بني! ان المزاح كالملح في الطعام غاية الأمر على الإنسان الاجتناب عن كثرة المزاح لاسيما الشباب الذين يمرون بفترة بناء ذواتهم حذراً من أن توجب كثرته موت القلوب لاسمح الله، واذا حدث ذلك لاقدر الله فإن من الصعب جداً الخروج من هذه الحالة([2])، وعليكم أن تتصرفوا بالمعقول حتى لا يقال ما هؤلاء الطلبة الذين يقضون أوقاتهم بالمزاح وكيف أصبحوا طلبة؟ إن المزاح الزائد يضعف شخصيتكم أمام المتدينين، تستطيعون ان تتبادلوا الكلمات والجمل المعقولة والموزونة مع أصدقائكم المتدينين المؤمنين لكن احذروا أن يتضمن كلامكم الكذب أو التهم أو البهتان والافتراء أو إيذاء الآخرين، واحرصوا على مراعاة الجانب الشرعي والأخلاقي في جميع كلماتكم.
بني! إن واجبكم الفعلي هو الدراسة والتوكل على الله تعالى والعمل بما يرضي صاحب العصر والزمان(عليه السلام)، وأما ظاهركم فينبغي أن يكون بحيث يبعث على افتخار كل من يراكم بأخلاقكم وكونوا مصداقاً لـ«كونوا لنا زيناً» وفقكم الله.
([1]) لابدّ لطالب العلم والعالم به من مراعاة جهة العمل أيضاً.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «وأمّا علم المعرفة بالله تعالى وما يتوقف عليه من العلوم العقلية فمثل العالم به المهمل للعمل المضيّع لأمر الله تعالى وحدوده في شدّة غروره مثل من أراد خدمة ملك فعرف الملك وعرف أخلاقه وأوصافه ولونه وشكله وطوله وعرضه وعادته ومجلسه ولم يتعرّف ما يحبّه ويكرهه ويغضب عليه وما يرضى به أو عرف ذلك إلاّ أنه قصد خدمته وهو ملابس لجميع ما يغضب به وعاطل عن جميع ما يحبّه من زيّ وهيأة وحركة وسكون فورد على الملك وهو يريد التقرّب منه والاختصاص به متلطّخاً بجميع ما يكرهه الملك عاطلاً عن جميع ما يحبّه متوسلاً إليه بمعرفته له ولنسبه واسمه وبلده وشكله وصورته وعادته في سياسة غلمانه ومعاملة رعيّته» إلى أن قال: «وهو عين الغرور فلو ترك هذا العالم جميع ما عرفه واشتغل بأدنى معرفته وبمعرفة ما يحبّه ويكرهه لكان ذلك أقرب إلى نيله المراد من قربته والاختصاص به بل تقصيره في العمل واتّباعه للشهوات يدلّ على أنّه لم ينكشف له من المعرفة إلاّ الأسامي دون المعاني إذ لو عرف الله حق معرفته لخشيه واتّقاه كما نبّه الله عليه بقوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ). ولا يتصوّر أن يعرف الأسد عاقل ثم لا يتّقيه ولا يخافه وقد أوحى الله تعالى إلى داود(عليه السلام): (خفني كما تخاف السبع الضاري) نعم من يعرف من الأسد لونه وشكله واسمه قد لا يخافه وكأنّه ما عرف الأسد وفي فاتحة الزبور: رأس الحكمة خشية الله تعالى». ]منية المريد، ص 53[
([2]) ينبغي للمتلبّس بالعلم أن يجتنب عن كثرة المزاح والضحك وأمثالهما.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك عند ذكر آداب المعلّم: «أن يستقرّ على سمت واحد مع الإمكان فيصون بدنه عن الزحف والتنقّل عن مكانه والتقلقل ويديه عن العبث والتشبيك بهما وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة. ويتّقي كثرة المزاح والضحك فإنه يقلّل الهيبة ويسقط الحرمة و يزيل الحشمة ويذهب العزة من القلوب وأمّا القليل من المزاح فمحمود كما كان يفعله النبي(صلى الله عليه وآله) ومن بعده من الأئمة المهديّين تآسيّاً للجلساء وتأليفاً للقلوب وقريب منه الضحك، فقد كان النّبي(صلى الله عليه وآله) يضحك حتى تبدو نواجذه ولكن لا يعلو الصوت والعدل التبسم». ]منية المريد، ص 93[
الدخول في عالم السياسة
أنا طالب علم مبتدئ الى أي حد يمكنني الدخول في عالم السياسة؟
باسمه تعالى: ان وظيفتكم الفعلية هي الدراسة والسعي في سبيل تحصيل العلم ولا ينبغي لكم أن تركضوا خلف أمر آخر غير الدراسة وتهذيب النفس، اذا اردت أن تكون موفقاً في مستقبلك فعليك أن تتقدم من الناحية العلمية وكسب الكمالات، لأن الدخول في أي عمل أو وظيفة بدون علم سيعقبه ندامة، ولا تدخل في عمل لا تعلم عواقبه ولا تدخل في أي عمل إلا بعد معرفة وانتباه كامل حتى لا تكون بعد ذلك من النادمين، واذا فعلت ذلك فانك ستكون من المأجورين إنشاء الله، وتذكر اذا كنت في أي عمل أن وراءك قيامة عليك أن تجيب في ذلك اليوم عما تفعل، فاذا أردت أن لاتكون من النادمين فعليك أولاً بالدراسة جيداً والسعي الحثيث لكسب العلم لتصل الى مرتبة علمية مقبولة حينها ستكون من المؤثرين في المجتمع إضافة الى خدماتك له وستكون من المأجورين انشاء الله.
النظرة السياسيّة عند الطالب
أنا طالب علم أرجو أن تبينوا لي كيف تتكون عندي النظرة السياسية؟
باسمه تعالى: النظرة السياسية انما تحصل بالممارسة والتعلم، ومن الطبيعي وجوب اكتسابها من أهل الخبرة المتدينين حتى لا تفدى السياسة بالدين([1]) والله الهادي الى سواء السبيل.
([1]) ينبغي للعالم الابتعاد عن الملوك وأهل الدنيا بقدر الإمكان.
قال الشهيد (رحمه الله) في آداب المعلّم والمتعلّم: «أن يكون عفيف النفس عالي الهمّة منقبضاً عن الملوك وأهل الدنيا لا يدخل إليهم طمعاً ما وجد إلى الفرار منهم سبيلاً صيانة للعلم ممّا صانه السلف. فمن فعل ذلك فقد عرّض نفسه وخان أمانته وكثيراً ما يثمر عدم الوصول إلى البغية وإن وصل إلى بعضها لم يكن حاله كحال المتعفّف المنقبض وشاهده مع النقل الوجدان». إلى أن قال: «وقد سمعت جملة من الأخبار في ذلك سابقاً كقول النبي (صلى الله عليه وآله): (الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا). قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: (اتّباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم). وغيره من الأحاديث. واعلم أنّ القدر المذموم من ذلك ليس هو مجرّد اتباع السلطان كيف اتّفق بل اتّباعه ليكون توطئة له و وسيلة إلى ارتفاع الشأن والترفّع على الأقران وعظم الجاه والمقدار و حبّ الدنيا والرئاسة و نحو ذلك. أما لو اتبعه ليجعله وصلة إلى إقامة نظام النوع وإعلاء كلمة الدين وترويج الحق وقمع أهل البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك فهو من أفضل الأعمال فضلاً عن كونه مرخّصاً وبهذا يجمع بين ما ورد من الذم وما ورد أيضاً من الترخيص في ذلك بل من فعل جماعة من الأعيان كعلي بن يقطين وعبدالله النجاشي وأبي القاسم بن روح أحد الأبواب الشريفة ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ونوح بن دراج وغيرهم من أصحاب الأئمة ومن الفقهاء مثل السيدين الأجلين المرتضى والرضي وأبيهما والخواجة نصير الدين الطوسي والعلاّمة بحر العلوم جمال الدين بن المطهّر وغيرهم». إلى أن قال: «واعلم أنّ هذا ثواب كريم لكنّه موضع الخطر الوخيم والغرور العظيم فإنّ زهرة الدنيا وحبّ الرئاسة والاستعلاء إذا نبتا في القلب غطيا عليه كثيراً من طرق الصواب والمقاصد الصحيحة الموجبة للثواب فلابدّ من التيقظ في هذا الباب». ]منية المريد، ص 61[
طالب العلم والمناظرات العلميّة
أرجو من سماحتكم أن تبينوا لي كيف ينبغي لي العمل في المناظرات العلمية مع العلم أنّني طالب علم؟
باسمه تعالى: وصيتي لكم أن تهتم اولاً بدروسك وتصقل نفسك من الناحية العلمية والأخلاقية وتنميها ولا تخرج عن جادة الإنصاف والاعتدال في المجادلات العلمية، واجعل المنطق والدليل عمدتك دائماً في مباحثاتك ومناظراتك توفق باذن الله. واجهد أن لا يصدر منك ما يوجب التفرقة والاختلاف بين المسلمين من جهة، ومن جهة اُخرى احرص على الدفاع عن مسلمات مذهب التشيع ولا تضعف أمامهم فانك مسؤول. وفقك الله([1]).
([1]) للمناظرة سهم وافر في إظهار الحقّ وإبطال الباطل.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «اعلم أنّ المناظرة في أحكام الدين من الدين ولكن لها شروط ومحل و وقت، فمن اشتغل بها على وجهها وقام بشروطها فقد قام بحدودها واقتدى بالسلف فيها فإنّهم تناظروا في مسائل وما تناظروا إلاّ لله ولطلب ما هو حقّ عند الله تعالى. ولمن يناظر لله وفي الله علامات بها تتبيّن الشروط والآداب، الأولى: أن يقصد بها إصابة الحقّ وطلب ظهوره كيف اتّفق لا ظهور صوابه وغزارة علمه وصحّة نظره فإنّ ذلك مراء» ثمّ قال: «ومن آيات هذا القصد أن لا يوقعها إلاّ مع رجاء التأثير فأمّا إذا علم عدم قبول المناظر للحق وأنّه لا يرجع عن رأيه وإن تبيّن له خطاؤه فمناظرته غير جائزة لترتب الآفات… وعدم حصول الغاية المطلوبة منها. الثانية: أن لا يكون ثمّ ما هو أهمّ من المناظرة فإنّ المناظرة إذا وقعت على وجهها الشرعي وكانت في واجب فهي من فروض الكفايات فإذا كان ثمّ واجب عيني أو كفائي هو أهمّ منها لم يكن الاشتغال بها سائغا. ومن جملة الفروض التي لا قائم بها ـ في هذا الزمان ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد يكون المناظر في مجلس مناظرته مصاحباً لعدة مناكير كما لا يخفى على من سبر الأحوال المفروضة والمحرمة. ثم هو يناظر فيما لا يتفق أو يتفق نادراً من الدقائق العلميّة والفروع الشرعيّة بل يجري منه ومن غيره في مجلس المناظرة من الإيحاش والإفحاش والإيذاء والتقصير فيما يجب رعايته من النصيحة للمسلمين والمحبّة والموادة ما يعصي به القائل والمستمع ولا يلتفت قلبه إلى شيء من ذلك ثم يزعم أنّه يناظر لله تعالى». ]منية المريد، ص 168[
الحسد في طلب العلم
بعض الأوقات يدخلني الحسد تجاه الطلاب الآخرين، فما هو العلاج من ذلك؟
باسمه تعالى: بنيّ! احترس من أن تدخلك هذه الخصلة التي تبعدك عن نيل التوفيق([1]) ويجب أن تنظر إلى ما تملكه من استعداد لكي تواصل تحصيلك العلمي طِبْقَه، حيث يمكن أن يكون لبعض الطلبة استعداد متفاوت معك نوعاً وكمّاً، فلذا عليك بطلب العلم لله وأن يكون توكلك عليه لكي تطرد هذه الخصلة غير الصالحة، وإلاّ فإنّ هذه الخصلة ـ والعياذ بالله ـ تجرّ صاحبها إلى العداوة والبغضاء، وهي آفة العلم حيث تمنع من الوصول الى الغاية الأسمى([2])، فلذلك عليك دائماً أن تنظر الى الطلاب الآخرين بنظرة تبعث على أن يكونوا في خير وعافية، وابعد عنك المسائل التي لا تؤدي إلى الموفقية([3]).
([1]) من مهلكات في طلب العلم الحسد بالنسبة إلى الغير.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «وأمّا ما جاء في ذم الحسد والوعيد عليه فهو خارج عن حد الحصر وكفاك في ذمّه أنّ جميع ما وقع من الذنوب والفساد في الأرض من أوّل الدهر إلى آخره كان من الحسد لمّا حسد إبليس آدم فصار أمره إلى أن طرده الله ولعنه وأعدّ له عذاب جهنّم خالداً فيها وتسلّط بعد ذلك على بني آدم وجرى فيهم مجرى الدم والروح في أبدانهم وصار سبب الفساد على الآباء وهو أوّل خطيئة وقعت بعد خلق آدم وهو الذي أوجب قتل ابن آدم أخاه كما حكاه الله تعالى عنهما في كتابه الكريم. و قد قرن الله تعالى الحاسد بالشيطان والساحر فقال: (وَمِنْ شَرِّ غاسِق إِذا وَقَبَ وَ مِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حاسِد إِذا حَسَدَ)وقال(صلى الله عليه وآله): (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)». ]منية المريد، ص 176[
([2]) لابدّ لطالب العلم من الاحتراز عن الحسد في طلب العلم.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «ربّما يلبس عليهم الشيطان مع ذلك ويقول لهم غرضكم نشر دين الله والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله;(صلى الله عليه وآله) والمظهر لهذه المقاصد يتبيّن عند ظهور أحد من الأقران أكثر علماً منه وأحسن حالاً بحيث يصرف الناس عنه فلينظر حينئذ فإن كان حاله مع الموقّر له والمعتقد لفضله أحسن وهو له أكثر احتراماً وبلقائه أشد استبشاراً ممّن يميل إلى غيره مع كون ذلك الغير مستحقّاً للموالاة فهو مغرور وعن دينه مخدوع وهو لا يدري كيف وربّما انتهى الأمر بأهل العلم إلى أن يتغايروا تغاير النساء فيشقّ على أحدهم أن يختلف بعض تلامذته إلى غيره وإن كان يعلم أنه منتفع بغيره ومستفيد منه في دينه. وهذا رشح الصفات المهلكة المستكنّة في سرّ القلب التي يظنّ العالم النجاة منها وهو مغرور في ذلك وإنّما ينكشف بهذه العلامات ونحوها». ]منية المريد، ص 46[
([3]) ينبغي لطالب العلم أن يفرح بوجود نظراءَ له في العلم ويشكر الله تعالى.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «ولو كان الباعث له على العلم هو الدين لكان إذا ظهر غيره شريكاً أو مستبدّاً أو معيناً على التعليم لشكر الله تعالى إذ كفاه وأعانه على هذا المهمّ بغيره وكثّر أوتاد الأرض ومرشدي الخلق ومعلّميهم دين الله تعالى ومحيي سنن المرسلين. وربّما لبس الشيطان على بعض العالمين ويقول: إنّما غمك لانقطاع الثواب عنك لا لانصراف وجوه الناس إلى غيرك إذ لو رجعوا إليك أو اتّعظوا بقولك وأخذوا عنك لكنت أنت المثاب واغتمامك لفوات الثواب محمود ولا يدري المسكين أنّ انقياده للحقّ وتسليمه الأمر الأفضل أجزل ثواباً وأعود عليه في الآخرة من انفراده. وليعلم أن أتباع الأنبياء والأئمة لو اغتموا من حيث فوات هذه المرتبة لهم واختصاص أهلها بها لكانوا مذمومين في الغاية بل انقيادهم إلى الحقّ وتسليم الأمر إلى أهله أفضل الأعمال بالنسبة إليهم وأعود عليهم في الدين. وهذا كلّه من غرور الشيطان وخدعه». ]منية المريد، ص 46]
العمل للنجاة يوم القيامة
ماذا علينا أن نعمل حتى نكون من الناجين يوم القيامة؟
باسمه تعالى: اشكروا الله تعالى الذي وفقكم لاتباع أسباب النجاة، وعليكم بالسعي لكسب رضا أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق التمسك بحبلهم والتوسل بهم، لأن رضاهم رضا الله، ولاتغفلوا عن تهذيب النفس بالاستلهام من تعاليم أهل البيت(عليهم السلام)، وتخلقوا بالأخلاق الحسنة، وأدّوا واجباتكم الشرعية بحدودها وعليكم بالقناعة في كماليات الحياة، والله المسدد.
حالة الغرور في الطلبة
إذا اراد طالب العلم ان يكسر حالة الغرور في نفسه فماذا عليه أن يفعل؟
باسمه تعالى: من الاُمور المؤثّرة زيارة القبور فانها تذكر الانسان بالموت وتكون سبباً للابتعاد عن المعصية([1]).
([1]) ينبغي لطالب العلم أن لا يفتخر على غيره ولا يحتقره.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك: «يجب على من علم منهم بنوع من العلم وضرب من الكمال أن يرشد رفقته ويرغّبهم في الاجتماع والتذاكر والتحصيل ويهوّن عليهم مؤونته ويذكر لهم ما استفاده من الفوائد والقواعد والغرائب على جهة النصيحة والمذاكرة فبإرشادهم يبارك الله له في علمه ويستنير قلبه وتتأكّد المسائل عنده مع ما فيه من جزيل ثواب الله تعالى وجميل نظره وعطفه. ومن بخل عليهم بشيء من ذلك كان بضدّ ما ذكر ولم يثبت علمه وإن ثبت لم يثمر ولم يبارك الله له فيه وقد جرب ذلك لجماعة من السلف والخلف. ولا يحسد أحداً منهم ولا يحتقره ولا يفتخر عليه ولا يعجب بفهم نفسه وسبقه لهم فقد كان مثلهم ثمّ من الله تعالى عليه فليحمد الله تعالى على ذلك ويستزيده منه بدوام الشكر فإذا امتثل ذلك وتكاملت أهليّته واشتهرت فضيلته ارتقى إلى ما بعده من المراتب». ]منية المريد، ص 139[
الحافظة القويّة
ما هو العمل لكي تكون حافظتي قويّة ولا يعرض عليّ النسيان؟
باسمه تعالى: إنّ طالب العلم لأجل أن يحفظ المعلومات ولا يعرض عليه النسيان يجب أن يجعل له برنامجاً دقيقاً لحفظ المعلومات([1])ولا ييأس عندما يبطأ عليه ذلك بعض المرّات. حيث الاستعدادات عند الأفراد تتفاوت من فرد لآخر، فيجب عليه أن يسعى بقدر استعداده فإنّ العجلة آفة الحفظ وتؤدي الى أن لا يستطيع أن يكوّن له برنامج. ولكي لا تقعوا في الاشتباه واظبوا على كسب التوفيق في الحفظ عَبْرَ القرآن([2])ولا تغفلوا عن كثرة الذكر والصلوات على محمد وآله، وكذلك عليك لأجل تقوية الحفظ أن تطالع الكتب المعتبرة التي تعرضت لذلك للاستفادة منها.
([1]) ينبغي لطالب العلم الاهتمام بحفظ درسه وتكراره والمواظبة عليه.
قال الشهيد (رحمه الله)في ذلك عند ذكر آداب المتعلّم في درسه: «أن يعتني بتصحيح درسه الذي يحفظه قبل حفظه تصحيحاً متقناً على الشيخ أو على غيره ممّن يعينه ثم يحفظه حفظاً محكما ثم يكرّره بعد حفظه تكراراً جيّداً ثم يتعاهده في أوقات يقرّرها لمواظبته ليرسخ رسوخاً متأكّداً ويراعيه بحيث لا يزال محفوظاً جيّداً. ولا يحفظ ابتداء من الكتب استقلالاً من غير تصحيح لأدائه إلى التصحيف والتحريف وقد تقدّم أنّ العلم لا يؤخذ من الكتب فإنّه من أضرّ المفاسد سيّما الفقه».]منية المريد، ص 131[
([2]) ينبغي لطالب العلم المواظبة على قراءة القرآن وحفظه.
قال الشهيد (رحمه الله) في ذلك عند عدّ آداب المتعلّم في درسه: «أن يبتدئ أوّلاً بحفظ كتاب الله تعالى العزيز حفظاً متقناً فهو أصل العلوم وأهمّها وكان السلف لا يعلّمون الحديث والفقه إلاّ لمن حفظ القرآن، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بغيره اشتغالاً يؤدّي إلى نسيان شيء منه أو تعريضه للنسيان بل يتعهّد دراسته وملازمة ورد منه كلّ يوم ثم أيّام ثم جمعة دائماً أبداً». ]منية المريد، ص 130[
